[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لقد تابعت كغيري من المصريين الحوار الذي جمع رئيس وزراء مصر السابق
أحمد شفيق وعلاء الأسواني الكاتب الشهير.. ومع الأسف حزنت جدا لما حدث في
هذا اللقاء، ولكنني فضّلت أن أصبر قليلا قبل أن أُعلن عن رأيي في هذا
الحوار، وما آلت إليه الأمور بعده..
فالفريق شفيق رجل مقاتل لا يعرف الهزيمة..
وزير عاش في وقت الفساد، لكنه أصلح في موقعه وفعل ما لم يتوقّعه أحد..
ولنا أن نتخيّل أن يعيش وزير في بيئة فاسدة، وجو فاسد، ثم تخرج من بين يديه رياحين النجاح والتفوّق..
هذا الرجل الذي نجح وكل الظروف غير مواتية، كيف كان يمكن أن نتصوّر إنجازه ونجاحه بعد ثورة التطهير؟
لقد ظلمنا هذا الرجل.. بل وتكالبت عليه الظروف لتزيد مِن ظلمه علنا
وأمام الكاميرات ليشاهد المجتمع كله جلسة علنية لمحاكمة غير عادلة لرجل
شريف.
لم نشاهد المجتمع يُحاكم أحمد عز وجها لوجه وقد أجرم.
لم يتسنَّ لأهالي الشهداء أن يجلسوا أمام حبيب العادلي ليقولوا له لماذا قتلت أبناءنا؟ ولماذا تسبّبت في جرح شبابنا؟
لم نحاكم أحدا علنا كما حاكمنا د. شفيق، وهو بريء مِن كل تهمة فساد؛ فما لكم كيف تحكمون؟!!
وإذا سألت أحدا ممن كانوا يُطالبون بإقالته لقالوا: "يكفي أن مبارك هو الذي عيّنه!!".
أهكذا ببساطة؟
أهذا هو العدل وهذه هي ديمقراطية الثوار؟
إن إخواننا الذين يحجرون على آراء الغالبية العظمى مِن المصريين،
ويظنّون أنهم يتكلّمون باسم كل الشعب المصري مَن قال لهم إن غالبية الشعب
كانوا يرفضون الدكتور شفيق؟
أم إن مصر ستدار من ميدان التحرير، وعلى مَن يخالفونهم في الرأي أن يجدوا لأنفسهم مقعدا في برلمان الميدان!
أعجب ما أتعجّب منه هو نفاق الإعلام الصارخ، وخوف الجميع مِن أن يقولوا
كلمة حق تغضب السادة أصحاب الثورة الذين نسوا أنها ثورة شعب مصر، واختزلوها
في أشخاصهم ودعوتهم للثورة..
ولأني ليس لديّ ما أخسره.. ولأني مواطن مصري لي الحق في إبداء الرأي؛
فسأقولها بصراحة لمن نادى بإقالة د. شفيق.. يا سادة أنتم مخطئون، وغير
معبّرين عن إرادة شعب بأكمله.. أقولها ولا يعنيني أن تتهموني أنا أيضا أني
من فلول الحزب الوطني المتخفي!! أو أجدني متهما بخيانة الثورة والثوّار..
أو أجد مَن يقول عني أنه رآني أمام مجلس وزراء د. شفيق لآخذ منه المعلوم
حتى أقول رأيي هذا.. أليس هذا هو ما يحدث لمن يُخالفكم الرأي؟
لقد خسرت الثورة جزءا مِن قيمة هي أغلى القيم التي نادت بها "العدل"، وخسرت مصر هذا الرجل..
خسرت مجهوده، وشجاعته، ووطنيته، ورغبته في رؤية مصر أفضل.. مثلكم تماما وربما أكثر مني ومنكم، ولا يعلم القلوب إلا الله..
أما أستاذي علاء الأسواني الذي كان يقول "الديمقراطية هي الحل"، فلم يكن ديمقراطيا في حواره، ولم يكن يبحث عن حل..
لقد رأيته مزايدا على وطنية رجل ربما ضحّى في سبيل هذا البلد أكثر منه..
رأيته يتحدّث بلا لياقة.. ولا اعتبار حتى لعمر الرجل الذي يجلس أمامه..
رأيت رغبته في أن يُسجّل موقفا يعجب المعتصمين، أكبر عنده مِن أن يُفكّر ويتدبّر ويتسع صدره للرأي الآخر!
ويبدو بهذا المنطق أننا أمام معضلة..
فالسادة الثوار في ميدان التحرير.
والسادة الكتّاب والإعلاميون يتحدّثون عنهم باعتبارهم يملكون مواثيق نجاحهم أو فشلهم..
وكأننا ما لبثنا نخرج من عباءة التغنّي بحكم فاسد، حتى أصبحنا نتغنّى
بالمعتصمين، وكأننا تركنا خيبة تمجيد إله لنقع في تمجيد آلهة.. وخرجنا عن
طاعة فرعون واحد، لنقع في طاعة مجموعة من الفراعنة، وكأننا لا نريد أن نخرج
عن طبائعنا..
ولهذا أقولها وبصراحة مطلقة..
إن الذين يصرّون على الاعتصام بميدان التحرير، رغم إقالة الوزارة، غير
عابئين باقتصاد ينهار ومئات الآلاف الذين توقّفت أعمالهم؛ هم أُناس يخرّبون
هذا البلد، وهم يظنّون أنهم يُصلحون..
كفاكم أيها السادة.. أعطوا الفرصة للحكومة الجديدة التي سعيتم لها.. وها
أنتم تحتفلون بالنصر لخروج د. شفيق من رئاسة الوزراء وكأنكم انتصرتم على
إسرائيل.. افرحوا ما شئتم اليوم ودعوا الناس تعمل، وحركة الاقتصاد تدور حتى
لا تتسلّموا مصر جثة هامدة..
تمهلوا قليلا فهناك قضايا كثيرة، ويكفي مشكلة مياه النيل التي تعقّدت،
ومشكلات الاقتصاد الذي أوشك على الانهيار، على القوات المسلحة الباسلة أن
تتعامل معها..
أما د. شفيق فأقول له.. لك الله سيدي الفاضل، فقد عرفت عنك الكثير، وكنت
أحد الواثقين فيك وفي وطنيتك، وما كنت أُحبّ أن ترحل، لكنه مراد الله
فينا، وغالبا هذا البلد لا نصيب له في الطيبين.. فقد كنت وبصدق الرجل
الصواب في التوقيت الخطأ..
وأما الأستاذ علاء الأسواني ومَن معه ومَن حوله مِن الكتّاب والإعلاميين
الذين يزفون الثوار، ويزايدون على وطنية الخلق، فأقول لهم مع الأسف لقد
سئمنا المزايدات فكفاكم.. ارحموا مصر يرحمكم الله.. فالأمم تقوم على
الأخلاق ولا تقوم على الأحقاد والرغبة العارمة في الانتقام، ولو ظللنا نأخذ
الصالحين بذنب المفسدين لهلكنا جميعا، ولو انتقم رسول الله من خالد بن
الوليد الذي قتل أعز الناس عليه وهو في الجاهلية وتسبّب في هزيمة المسلمين
لما صار سيف الله المسلول، حين أعمل سيفه لنصرة الحق..
وأما ما يحدث في مصر فهكذا يحدث في كل بلاد الدنيا، كلما ارتفعت الأمواج
ارتفع معها الزبد، ولكنني أؤمن أن الباطل زائل لا محالة، وكما تكلّمت عن
قادة الحزب الوطني -بعد الانتخابات الهزلية- عندما أخذهم الزهو ونشوة
الانتصار الزائف على كل المعارضين، وتلوت آية ربي:
{حَتَّىَ إِذَا
أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا}، وقلت إن أمر الله آتٍ لا محالة، وصدق حدسي وجاء أمر الله فيهم بعدها بأيام معدودة..
أقول الآن لمن علوا بغير حق، ومَن يزايدون على الناس، ومَن يستغلون الفرص ليخرجوا أحقادهم:
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.
حمى الله مصر ممن يظنّون أنهم أخلص مخلصيها.. بعد أن حماها وخلّصها مِن شرور مفسديها!